لم تنحصر العلاقة بين سلطة القرار وسلطة المثقف الرمزية.في طرح شبهة الاختلاف التاريخي . والصراع القائم بين توجهات مختلفة في عملية الاحتواء. والمفارقة الصعبة في تحديد مفاهيم السيطرة . و الانفلات من خيوط الاقصاء و الابعاد.وتداخل ايديولوجية السلطة مع ايديولوجية المثقف في اطار بسط الصورة التفاعلية في الاقناع و المصادرة. وتكريس منحى المغازلة احيانا ضمن علاقات التباين و التشرذم . التي تكتنف حلقة هذا الصراع . وهذه المعركة المعرفية في من يفرض سيطرته الايديولوجية داخل مجتمع السلطة الواحدة التي تحمي شرعيتها ضمن مساندة المثقف او خارجه....
وفي كثير من الحالات نرى ان هذه السلطة لم تعد بحاجة للمثقف في حماية قواعدها . واثبات وجودها . وتفاعلها مع شرائح المجتمع .لقد استغنت على خدماته المعرفية . وانتقلت الى عناصر الانتاج الاقتصادي في تحديد ادوات انشغالها.لتوفير حاجيات هذا المجتمع الاستهلاكي في التنمية .والبحث عن طرق احتواء الخطاب الشعبي من كل تدخل قد يعيق سيرورة هذه السلطة في الحفاظ على مكتسباتها المعرفية الجديدة التي تتسم في اغلب الاحيان بالسيطرة و النفوذ . واقتراح بدائل تبعد موقف المثقف خارج الخطاب السلطوي لسلطة النظام.
وهي بهذا السلوك تبعد الراي الاخر. نظرا لعدم نضج الواقع الاجتماعي و السياسي .في تناول قضايا التغيير التي كان المثقف بصفة عامة يطالب بها .عبر تاريخه الكفاحي مع الوجود الاستعماري . وحركات التحرر و المقاومة التي قادها العديد من القيادات المثقفة سواء كانت داخل الاحزاب الوطنية او ضمن مجموعات متفرقة .وتقلص هذا الدور بعد خروج المستعمر . وحصول الدول العربية على استقلالها .الذي كان مشروطا ببقاء الاستعمار الثقافي . واستهلاك معرفته التي فرضت نفسها على وجدان المثقف العربي . حيث وجد فيها ملاذه . وذاته التي كانت مصادرة بواقع المطاردة .في الوقت الذي كانت فيه السلطة تؤسس ثقافتها الخاصة.وتغييب دور المثقف في الساحة السياسية . وفي كبرى الاحداث المصيرية الذي حاول ان يفرض وجوده داخلها .لكن هشاشة دوره الانتقادي .وغياب جراته المعهودة . ومحدودية انصهاره في الواقع اليومي. ترك انطباعا خطيرا عن مدى مثالية المثقف . وانحصاره في عوالم حالمة لا ترقى الى طموحات الشعوب. ولا الفئات التي ترى في نفسها رغبة الوقوف ضد هيمنة السلطة الجديدة التي ظهرت عقب خروج فلول الاستعمار الاجنبي من الاراضي العربية.
وسرعان ما حاولت السلطة . ان تفرض قبضتها السياسية على دواليب المؤسسات الفاعلة داخل المجتمع . وتقويض تحرك المثقف في خضم التحولات التي نشات ضمن انفجار الحداثة الثقافية خلال فترة الستينات .واثارها السلبية و الايجابية في منظومة الوعي الثقافي لدى شريحة واسعة من اهل العلم و المعرفة . وهذا التوجه في استبدال دور المثقف يندرج داخل واقعه الاجتماعي المغلق . وفي سياسة السلطة لتضييق الخناق على موقعه الخطابي و الانتاجي . وتحديد مواقفه حيال ما يجري حوله . وضمن هذا السياق . يظل المثقف رهين المحلية الصارخة .مما يساعد في عدم وضوح ملامح الضغط في سبل النقد . واتخاذ مواقف صريحة ومعلنة نحو دور السلطة...
ان سياسة تهميش دور المثقف .تعتبر مسالة بالغة الاهمية .ومركبة في اطار التواصل خارج حدود الوطن .وهذا يحد من سلطة المثقف امام سلطة الاجهزة الحاكمة في كل قطر عربي...
وامام هذا التعامل في رؤية السلطة للمثقف الذي يحاول ان ينتقد مرجعيتها الايديولوجية .وفي اصرار هذه التوابث التي لايمكن المساس بها او محاذاتها .حتى لا تصيبك عدوى الاقصاء و النفي . وفي كلتا الحالتين.فان دور المثقف . يظل منحصرا في ذاتيته المعزولة. وهذا ما ترغب فيه السلطة التي تحدد ثقافتها الخاصة في فرض سيطرتها الانتاجية لصنوف الاستهلاك التنموي . و اهمال جانب التغذية الفكرية في المعادلة السوسيوثقافية مع شريحة من ابناء هذا الوطن العربي الذين يتميزون برؤية خاصة . ومواقف مساعدة لنهج اسس الاصلاح الاجتماعي و السياسي و الثقافي . ومن اهم هذه المناهج .نهج الحرية الفكرية . وعدم مصادرة الكلمة . وحبسها في اللاوعي النقدي الذي تمارسه السلطة بانواع شتى حتى ينتهي زمن المثقف في صياغة موقف شجاع ضد ادوات السلطة . وانتقاد سلوكها واسلوبها ...
وبهذا يظل المثقف يعيش مرحلة الافول و الانهيار امام جبروت السلطة النافذة في سياسة الخطاب الثقافي الرسمي الذي تتداوله اروقتها . ومنابرها حتى يظل المثقف رمز من رموز الثقافة الذاتية و المهزومة .و الخارجة عن السياق التاريخي لحقبة معينة....
وهناك اطراف اخرى ترى ان المثقف يبحث دائما عن سلطته الرمزية سواء كان مع السلطة او خارجها . وهو في اندماجه و شراكته الثقافية مع السلطة يدافع عن قواعدها . ويتبث لنفسه القدرة في تحديد افاق استقطاب التوجه الايديولوجي الذي تفرضه السلطة على كل من يدخل في كنفها . ويتداول في اطارها . وينعم بخيراتها .واستقرار حياته الخاصة و العامة . وبذلك يتقن المثقف حيل التعامل التي تفرض نفسها بقوة العامل النفسي و الاجتماعي . وردود فعل السلطة ازاء هذا الدور الذي يناط به المثقف حتى يظل صوته خارج السرب.....
وقد تكون شمولية المحلي اقوى من قومية فضفاضة . لا تستقر على حال لان ما هومحلي يكون احيانا اكثر مصداقية و معايشة . بخلاف الفكرة القومية .وخير مثال على ذلك قومية القضية الفلسطينية في اكثر من قطر عربي التي لم تصاغ كقومية ثقافية حقيقية و شمولية في نصرة القضية بكل ابعادها السياسية و الثقافية......
وحين نقول بدور المثقف في صياغة خطابه الثقافي مع او ضد السلطة .تظل هذه العلاقة غير واضحة .ويشوبها اللبس و الغموض .و في كثير من الاحيان يفضل ان يكون خارج دائرة الضوء بطرق واساليب تبعده مرحليا عن الافصاح الحقيقي لموقفه من السلطة التي تحاول ان تكسب دوره في الانخراط ضمن ايديولوجيتها العامة حتى لا يبقى اي صوت خارج حلبة اهتماماتها....
وقد يعمد بعض المثقفين للانخراط داخل هذه السلطة حتى لا تتضرر مصالحهم وامتيازاتهم . وتامين حياة مستقرة . لا تعكر صفاءها معارك خاسرة في اغلب الاحيان . وهنا يسقط المثقف في فخ الانهزامة. وعدم القدرة في مواصلة هذا التحدي في فرض ادوات اجرائية مغايرة بخلاف ما تصنعه السلطة وتلتزم به في تعاملها المنشود........
ان درجة هذا الصراع في الممانعة لاي تدخل _مهما كان نوعه_ في عرقلة مخططات السلطة الرامية في تمييع خطاب السلطة على حساب خطاب الثقافة التي تخدم الفكر الانساني . وتنمي درجات وعيه تجاه حقيقة السلطة/النظام..
ومع هذا الوضع السياسي العربي الذي افرز معطى جديدا و يقظا نحو المواقف الراهنة من طرف المواطن البسيط او ذلك المثقف المتمكن من ادواته المعرفية .وفي كثير من الحالات تخرج مواقف البسيط اكثر تعبيرا وعمقا من موقف المثقف الذي يضع امامه اعتبارات متعددة .تحدد رؤيته الواضحة لمستقبل و مصير الامة العربية ..
وفي ظل التخاذل العربي في التوافق السياسي حول القضايا المشتركة . والاهتمامات العربية الصرفة للقضاء على الحدود الوهمية . وارساء تفاعل جماهيري مع جل القضايا المصيرية التي ما تزال عالقة في ظل النكسة . وفشل التحرك العربي الصحيح للدفاع على كل ماهو عربي واسلامي.....
وهذا ينعكس سلبا على الدور المنوط بهذا المثقف الذي يعيش في حرب ذات جبهات مختلفة . لايستطيع ان يحارب داخلها دفعة واحدة.و لا تتضح مواقفه الحقيقية حول ما يجري من حوله .وهذه الفجوة الحاصلة . وهذا الشرخ بين المثقف و السلطة مرده الى اسباب ذكرنا بعضها . و البعض الاخر يدخل في اطار ايديولوجية التحالفات المحلية للدفاع عن ايديولوجية السلطة المحور .وكيف ما كانت هذه السلطة .فهي تنشد استمرارية بقاءها على المدى الطويل . ثم كيف ان تكون مثقفا عربيا قادرا على الوقوف ضد السلطة لتاكيد مواقفك دون خوف . وفي كثير من الاحيان .هناك من يقول بان المثقف لا يمكن ان يكون ضد السلطة طيلة حياته يحارب بادواته التي لم تعد صالحة للدفاع عن دوره داخل المشهد الثقافي العربي.
ان مفهوم السلطة في علاقتها بدور المثقف. ستظل رهينة بمدى استجابة السلطة لرؤية المثقف تجاه الظروف و الملابسات المرحلية التي تمر منها كل دولة على حدا.وقناعتها الراسخة في احترام موقفه . وتطبيق بعض افكاره . رغم انه لا تخدم المصالح الكبرى للسلطة التي تسيطر على كل شيء . وهذا اذا ارادت ان تتنازل بقسط بسيط يخول لهذا المثقف ان يدلي بدلوه في امور كثيرة .يحتاج فيها ان يكون الخطاب الثقافي حاضرا ومساهما مما يحدث مع الخطاب السياسي الشعبي الذي يفرض نفسه باستمرار . وفي كل الظروف التي يمر منها المواطن العربي.
ان المثقف العربي يعيش عالمه الخاص . وراض عن هذا الوضع الذي وصل اليه . ومقتنعا ان حتيات الظروف السياسية .تتطلب منه ان يكون خارج الصراع السياسي على السلطة . وباعتباره خارجا عن المفاهيم التداولية التي يتطلبها المجتمع في تكوين جهد معرفي لمحاربة السلطة في ادواتها المعرفية و الايديولوجية. وعدم ترك المجال لها تفعل ما تريده داخل منظومة المجتمع . وداخل السيرورة الثقافية الذي لم يجد بدا في الانخراط داخلها. ويقوي سلطته الى جانبها .واقرار احقيته من غيره في الحصول على هذه السلطة . والعيش في ظلالها . والتي لا يمكن ان تظهر الا في الاندماج اللامشروط مع هذه السلطة التي تتوفر على وسائل الاغراء و الجذب ليظل المثقف يدا طائعة للدفاع على مصلحها الاستراتيجية امام ارادة الشعب المهضومة .وفي احيان اخرى لا نستطيع ان نطالب المثقف اكثر مما يملكه من ادوات الاثبات .اثبات لوجوده الثقافي .وابراز هذا الدور في تشكيل وعي ثقافي تؤثته السلطة على طريقتها الخاصة في التعامل مع كل ما هو ثقافي وفكري.
وبعيدا عن صلب هذا الصراع . فان الثقافة وعي وموقف يربط الانسان بوطنه وبامته . ويحمل هموم الاخر .اضافة الى همومه الذاتية المرتبطة بالواقع الحياتي الذي يتواجد فيه . ويتكيف معه .انطلاقا من رؤية خاصة او عامة التي يتعامل بها بالايجاب او السلب ..
و المثقف قد يقف مسافة قريبة او بعيدة من السلطة ليستطيع ان يحدد موقفا من هذا الواقع الموضوعي الذي ينطلق منه . وتفاعله العميق مع المجتمع في جميع المستويات . والتدخلات الاساسية التي تعطي ذلك الانطباع الايجابي باهمية دور المثقف في رسم موقف معين تجاه شرائح واسعة من المجتمع الذي ينتمي اليه. ولصالح الامة العربية في ابعادها القومية التي تحللت بموجب الصراعات الداخلية . وانهزام الرؤية الواضحة في معالجة القضايا المشتركة.ومعانقة الهوية القومية العربية في اجمل تجلياتها التي تلاشت عقب الهزائم المتتالية التي عصفت بالارادة الشعبية العربية في الاستمرار داخل نسيج الدولة الحديثة.ومحاولة فرض سيطرتها الايديولوجية للضغط على ايديولوجيا السلطة في التنازل . والانصات الى هموم الشعوب .وهذه الخطوة جاءت متاخرة قليلا .وبدات معها بوادر الانفراج الشعبي في تحديد موقف المثقف حول ما يجري الان من حوله من تطورات متسارعة .خرجت عن استعاب وهضمه لما يحدث لفترة من الزمن.
وقد حان الوقت ليكون المثقف العربي امام موقف واضح وصريح .مثلما فعلت الطبقات الشعبية في انتفاضتها الاخيرة على سلطة النظام .وان ينخرط بقوة .او يعود الى سباته القديم .و لا يتدخل في شؤون بلد .ويلجا الى الصمت والغياب .
وهنا يمكن ان نقول ...كل مثقف هو ثمرة جهد تفاعلي لتصحيح مسار السلطة .وابداء المرونة السياسية في كسب ثقة السلطة على مبدا التغيير. الذي تعتبر مسار ثوابتها الراسخة في نهج ايديولوجية مغلقة لا تنفتح على كل ما هو جديد .وهذا يجرنا للحديث عن هجرة المثقف العربي خارج حدود الصراع . والحصار .ولا يجد ذاته الا خارج التربة العربية وفي هذا احتقار لدور المثقف . وعدم تمكنه ان يفعل شيئا داخل نسيجه العربي ليقول كلمته في وجه هذه السلطة التي تتقوى في غياب سلطته.
وماذا ننتظر من المثقف في ظل سلطة تحتكر لنفسها جميع الصلاحيات في تبرير مواقفها .التي تجعل المثقف عاجزا امامها وغير قادر على تحمل المسؤولية من داخل السلطة التي تغذيه بافكارها .والتي ينشرها باسمه .انها احدى وسائل الدعاية الرخيصة التي يضع المثقف نفسه لارضاء نوايا السلطة التي تحميه من الانقراض والضياع .....
وهذا يعيدنا الى قراءة دور المثقف في النسيج الثقافي والاجتماعي لاية دولة .وفي غباب هذا الدور .تنعدم الحركة الفكرية . ويسود الوعي السلطوي في فرض سياسة القوي الذي لا يقهر ....
ان كل انتاج ثقافي .لا يمكن ان يكون خارج السياق السياسي و التاريخي لحقبة من الحقب التي يعبر عنها هذا المثقف .اما ضد او مع هذا التيار او ذاك .والمثقف اما ان ينخرط في هذا الصراع . ويدافع عليه واما ان ينسحب .ويترك المجال لغيره.
و المبادرة الفعلية للمثقف في تكوين سلطة رمزية تفرض نفسها في عملية التداول الانتاجي لهذا الواقع الموضوعي .ومحاولة الصمود ضد نهج السلطة السياسية بكل ابعادها في خلق نوع من المواجهة الصريحة التي بدات مؤشراتها الاولى مع التطورات العربية المتلاحقة و السريعة .والتي جعلت المثقف ياخذ مكانه الطبيعي و الصحيح . ويقنع نفسه بان مازال الوقت متاحا وكافيا ليعود هذا المثقف الى حاضرة الصراع القائم لكسب اراضي جديدة للحوار مع السلطة. واثارها في كل مجتمع عربي.ويثبت لنفسه انه حي يرزق ما دام هناك وعي بالمرحلة .واعادة صياغة ظروف وملابسات زمن التحرر الوطني .ونعيش مرحلة جديدة مع النضال الشمولي ضد اعداء الثقافة.........